التركيب الجيولى فى مصر
التكوينات الجيولوجية:
أ- تكوينات الزمن الأركى:
تمثل الأساس القاعدي الذي ترتكز عليه كل الصخور التي تكونت خلال العصور الجيولوجية التالية ( وهى صخور رسوبية أساساً ). وتظهر الصخور الأركية بارزة فوق أكثر من مائة ألف كيلو متر مربع من سطح مصر بنسبة 10% من جملة مساحته وتمثل في الوقت ذاته أكثر مناطق مصر وعورة وتضرساً وارتفاعاً، وذلك بسبب ما تعرضت له خلال تاريخها الطويل من حركات أرضية من تصدع وتداخلات نارية وتحول إقليمي Regional metamorphism على نطاق واسع.
ومع صغر المساحة التي تشغلها تلك التكوينات فإنها تتوزع في كل الوحدات الجيومورفولوجية في مصر، أكبرها تلك التي تظهر كحاجز جبلي مرتفع يمتد كمثلث طولي بالصحراء الشرقية ترتكز قاعدته. على خط الحدود مع السودان وتنتهي قمته شمالاً عند خط عرض 30َ 28ْ شمالاً شاغلاً مساحة كبيرة منها تبلغ نحو 30%. يليه مقلوب قمته في اتجاه الجنوب وقاعدته ممتدة على خط عرض 30َ 29ْ باتجاه الشمال وهى قاعدة غير منتظمة تتميز بتقطعها وتوغل الصخور الكريتاسية بقسميها الرملي والطباشيري داخلها. أما ضلعه الشرقي على طول خط الساحل السابق. وإذا كانت الضلع الشرقي يلاصق خليج العقبة فإن الضلع الغربي يبتعد عن الساحل الشرقي لخليج السويس تاركاً سهلاً طويلاً ومتسعاً تمتد فوقه حافات طولية من صخور نارية ورسوبية. (شكل رقم 1)
باستثناء النطاقين الأركيين سابقي الذكر توجد الصخور الأركية المعقدة في مواضع محدودة بوادي النيل مثل موضع خانق كلابشة جنوب أسوان والذي أصبح الآن مغموراً بمياه بحيرة السد، وكذلك في موضع الجندل الأول، وتوجد بالصحراء الغربية في شكل جزيرات نارية ومتحولة تبرز وسط خضم من الصخور الرملية النوبية في الهضبة الجنوبية عند خط عرض 23ْ شمالاً. وتظهر بشكل أكبر وأوضح وأكثر ارتفاعاً في منطقة جبل العوينات أقصى جنوب غرب مصر.
بالنسبة للخصائص الجيولوجية لهذه التكوينات الأركية، فإنها بشكل عام عبارة عن خليط شديد التعقيد من أنواع متعددة ومتباينة الخصائص من صخور نارية ومتحولة،والأخيرة غالباً ما تكون من أصل ناري ونادراً ما تكون ذات أصل رسوبي. ومن أهم أنواع الصخور الأركية النايس والشست وهى من الصخور المتحولة والجرانيت والجرانوديويت والسمحاق وغيرها مما تعرض خلال التاريخ الجيولوجي لضغوط شديدة واندفاعات وتداخلات نارية والتواءات عنيفة أدت إلى شدة تعقيدها وتضرسها بالصورة التي نجدها عليها الآن
ب- تكوينات الزمن الأول:
تقتصر تكوينات الزمن الأول في مصر على صخور العصر الفحمي وهو العصر الخامس من هذا الزمن، بينما لم يكشف النقاب بعد عن أية تكوينات أخرى تنتمي للعصور الأربعة السابقة له والتي ربما تكون قابعة تحت تكوينات أحدث أو ربما تكون قد أزيلت بفعل عوامل التعرية التي تعرضت لها خلال التاريخ الموغل في القدم، أو ربما وهذا احتمال وارد، أن كانت أرض مصر خلال عصور الكمبرى والأردوفيشى والسيلورى أرضا مرتفعة ومن ثم لم تتعرض أصلاً لأي طغيان مائي.
أما عن تكوينات العصر الفحمي فتوجد في مواضع ثلاثة في صحارى مصر الثلاث مجمل مساحتها محدود للغاية لا يتعدى 1% الموضع الأول يوجد غربي شبه جزيرة سيناء في قطاع أم بجمة – أبو زنيمة وتوجد به مرتكزة فوق الأساس الأركى القاعدة وتحت صهور الرملي الكريتاسي ( شطا ، 1960 ، ص ص 126 – 131 ) وتوجد في صورة طبقتين من الصخور الرملية تفصلهما طبقة من الحجر الجيري سمكها جميعاً 320 متراً، العليا ويبلغ سمكها 150 متراً والسلفي 130، بينما يبلغ سمك الطبقة الجيرية الوسطى 40 متراً فقط. والموضع الثاني في وادى عربة والجوانب الشرقية لهضبة الجلالة الشمالية (البحرية) وهى هنا عبارة عن طبقة من الحجر الجيري تحتوى على حفريات لنباتات كربونية وتتخلل طبقات من الحجر الرملي والمارل. أما الموضع الثالث فيوجد في أقصى جنوب غرب الصحراء الغربية بمنطقة جبل العوينات حيث وجدت صخور رملية تحتوى على نباتات من العصر الكربوني. مما يعطى مؤشراً على احتمال وجود تكوينات العصر الفحمي أو الكربوني مختبئة تحت تكوينات الحجر الرملي الكريتاسي.
والواقع أن الصور التوزيعية للتكوينات الفحمية كما نراها من الخريطة الجيولوجية بالشكل رقم (1) تثير الاهتمام وتضع علامة استفهام أمام الجيولوجيين، حيث أنها تدل بأن البحر الجيولوجي القديم قد وصل بأي شكل كان إلى الأجزاء الجنوبية من الأراضي المصرية وربما يكون مغطياً لها – أي أرض مصر – تغطية كاملة وأن ما يوجد من رواسب كربونية في الوقت الحاضر ما هي إلا البقية المتبقية بعد تعرض السطح عند انحسار البحر لعمليات التعرية ومرور أكثر من دورة جيولوجية عليه خلال العصور العديدة التي توالت عليه. وربما أيضا تكون رواسب البحر الكربوني مازالت قابعة كما ذكرنا تحت الرواسب السمكية لتلك العصور اللاحقة. والاحتمال الأخير ربما كانت صورة الغمر البحري الكربوني عبارة عن غمر هامشي شمالي اقتصر على أطراف مصر الشمالية حتى خط عرض الجلالة البحرية مع امتداد أحد الخلجان الطولية متغلغلاً في الأراضي المصرية، والتي كانت أصلاً مرتفعة حتى ذلك العصر الموغل في التقدم – باتجاه الجنوب الغربي.
وبعد انتهاء العصر الكربوني لم تتعرض أرض مصر لأية عمليات غمر بحرية طوال العصر البرمى وذلك بسبب استمرار ارتفاع منسوبها حقبة زمنية طويلة شغلت ما تبقى من الزمن الأول وفترة طويلة من الزمن الثاني.
ج- تكوينات الزمن الثاني في مصر:
لم تتعرض أرض مصر طوال العصريين الأوليين من الزمن الثانى الترياسى والجوراسى إلا لعمليات غمر هامشى محدود لم يتعد الحد الشمالى لهضبة الجلالة البحرية.
وتظهر تكوينات العصر الترياسى في بقع محدودة للغاية، أهمها جبل عرايف الناقة شمالي شرقي سيناء والتي تتكون كتلته من نواه من الحجر الرملي تتخللها تكوينات من المارل والحجر الجيري تحتوى على حفريات ترجع إلى ذلك العصر.
أما تكوينات العصر الجوراسى فإنها تشغل مساحة أكبر بكثير من تكوينات الترياسى، وتظهر في شبة جزيرة سيناء في جبل المغارة وجبل المنشرح، بينما تكاد تختفي من بقية الأراضي المصرية باستثناء بقع صغيرة المساحة في منطقة خشم الجلالة (الطرف الشمالي الشرقي منها)، وكذلك في سفوحها الجنوبية الشرقية. ويبلغ سمك رواسب الجوراسى نحو 500 متر وهى عبارة عن صخور رملية ومارلية تحتوى على رقائق طفليه تختفي شمال دائرة عرض 20َ 24ْ شمالاً.
بالنسبة لتكوينات العصر الكريتاسي فإن توزيعها – بقسميها السفلى والعلوي – في الأراضي المصرية يدل على أن البحر الكريتاسي قد غطى أكبر مساحة من أرض مصر، حيث تظهر منها فوق السطح نحو 410 آلاف كيلومتر مربع بينما يتغطى بالتكوينات الأحداث نحو 500 ألف، ومعنى ذلك أن تكوينات الكريتاسي المكشوفة والمغطاة الجذور القاعدية الأركية التي – كما نعرف – تمثل الأساس الذي بنيت فوقه أرض مصر طوال التاريخ الجيولوجي .
الخرسان التوبى ( الحجر الرملي النوبي ):
عبارة عن صخور رملية متلاحمة بالأكسيد أو السليكات أو الكالسيت ترجع طبقاتها التحتية إلى ما قبل عصر الكريتاسي الأسفل، بينما تكونت طبقاتها العلوية خلاله، ويبلغ سمكها إجمالاً نحو 1400 متر، وهى عبارة عن رواسب متراكمة فوق أرصفة بحرية أو ربما تكون قد ترسبت فوق سطح تحاتى وهى مشتقة أصلاً من صخور القاعدة الأركية التي تعرضت للتفتيت طوال فترات زمنية طويلة بفعل عمليات التجوية والنحت المختلفة.
وبالنسبة لخصائصها الليثولوجية فهي صخور ضعيفة التماسك من السهل تفككها إلى رمال سائبة Unconsolidated sands س ناعمة أو خشنة تبدو فى شكل طبقات تتعدد ألوانها بسبب احتوائها أكاسيد متعددة وتتخلل طبقاتها راقات من الطفل والكوارتزيت، وكثير ما تقطعها الجدد النارية والقواطع الناتجة عن اندساسات بركانية تعرضت لها في مراحل لاحقة.
ومن أهم ما يميز هذه الصخور ليثولوجيا ما تتميز به من مسامية عالية جعلتها قادرة على اختزان المياه الجوفية، ساعدها على ذلك امتداد صخور الأساس الأركى تحتها والتي منعت تسرب المياه من خزاناتها الجوفية باعتبارها صخور كتيمة aqueclude غير مسامية، وكانت الصخور الرملية النوبية بذلك مصدر المياه الجوفية الرئيسي بواحات الصحراء الغربية. كما أنها تحتوى على خامات الحديد بمنطقة أسوان ومنخفض الواحات البحرية.
وتشغل تلك التكوينات الرملية النوبية أكثر من 28% من جملة مساحة مصر، تتوزع في كل من سيناء والصحراء الشرقية والصحراء الغربية على النحو على النحو التالي:
ففي شبه جزيرة سيناء تظهر كشريط عرضي يحف بقاعدة المثلث الأركى السيناوى من الشمال، وفى الصحراء الشرقية يقتصر وجودها على الجزء منها الواقع جنوب ثنية قناة والمحصور ما بين الصخور الأركية في الشرق ووادي النيل في الغرب والممتد حتى خط الحدود جنوباً. أما في الصحراء الغربية فإنها تظهر في معظم مساحة الهضبة الجنوبية ممتدة ما بين خط الحدود جنوباً ( دائرة عرض 22ْ شمالاً ) حتى دائرة عرض 30َ 25ْ في الشمال. كما أنها تظهر منكشفة داخل المنخفضات بالهضبة الجيرية الوسطى، البحرية والفرافرة وداخل منخفضي الخارجة والداخلة في الجنوب.
تكوينات الطباشير:
ترجع إلى الكريتاسي الأعلى، ومن ثم نجدها مرتكزة على تكوينات الحجر الرملي النوبي تعلوها طفلة الداخلة، خاصة في القسم الأوسط من الصحراء الغربية وتتكون أساساً من طبقات جيرية وطباشيرية ثم تكوينات صلصالية تتميز بوفرة حفرياتها الحيوانية، حث تميز الجير الكريتاسي الأعلى بغناه بالحيوانات البحرية الضخمة.
وقد ترسبت تكوينات الطباشير في شكل طبقات في قاع بحر جيولوجي عميق يدل على عمقه سمكها الكبير الذي يتجاوز الخمسمائة متر، وقد كان هذا البحر متعمقاً داخل الأراضي المصرية إلى أقصى حد باتجاه الجنوب، وربما كان يغطى منطقة الهضبة الجنوبية ( هضبة الجلف الكبير ).
ونظراً لظروف الترسيب في بحر جيولوجي عميق مع تعرض قاعة للهبوط التدريجي البطئ فقد انعكس ذلك على زيادة سمكها بالصورة التي ذكرناها آنفاً.
وتوجد تكوينات الطباشير في مناطق مختلفة من الأراضي المصرية، فتوجد في أجزاء من هضبة التيه وسط سيناء، وتظهر بصحراء مصر الشرقية في مواضع بشرقي ثنية قنا وفيما بين سفاحة والقصير خاصة في سلسلة " جبل ضوى " إلى الغرب والشمال الغربي من القصير، وهى هنا تحتوى على خامات الفوسفات ( شكل رقم 4) والتا توجد أيضا في منطقة جبل عطشان وجبل حمادات جنوبي غرب القصير بنحو عشرين كيلومتر. أما في الصحراء الغربية فنجد تكوينات الطباشير في شكل نطاق صخري في الوسط فيما بين منخفض البحرية والداخلة، يتسع في جزئه الأوسط ويضيق عند طرفية في الشرق والغرب ، إلى جانب امتداده على طول الحافة الشرقية لمنفض الخارجة، مرتكزاً على الصخور الرملية النوبية مباشرة، ويظهر في منطقة هضبة أو طرطور محتوياً على خامات الفوسفات التي تظهر هنا في طبقات سمكها عشرة أمتار، كذلك تظهر على طول الحافة الشمالية لمنخفض الداخلة، وتظهر في منخفض الفرافرة والبحرية، وفى شكل بقايا فريدة في منطقة أو رواش وسط الصخور الجيرية الأيوسينية الأحداث.
د- تكوينات الزمن الثالث:
1- تكوينات الأيوسين:
تتكون من الحجر الجيري يبلغ سمكها نحو 700 متر مما يدل على عمق البحر الأيوسينى، وقد تكونت طبقات الحجر الجيري فوق سطح مصر في ثلاث مراحل: أولها - صخور الإيوسين الأسفل وتتميز بتجانسها وهى من صخور الحجر الجيري والمارل وراقات من الشرت. وثانيها – صخور الإيوسين الأوسط وهى من نفس الأنواع السابقة وتتميز هنا بغناها بحفريات قروش الملائكة وهى أقل انتشاراً من صخور الإيوسين الأسفل حيث تختفي إلى الجنوب من خط عرض 30َ 26ْ. أما المرحلة الثالثة والأخيرة من الأيوسين فقد ترسبت خلالها طبقات من الحجر الجيري بني اللون وتعرف في مصر بطبقات المقطم العلوي، يدل لونها وخصائصها الطبقية على سرعة تراجع البحر شمالاً وانحساره عن اليابس. وتتميز تكوينات الحجر الجيري بشكل عام باحتوائها على العديد من الحفريات وبوضعها في شكل طبقات تميل شمالاً باتجاه الانحدار العام لسطح مصر، وارتكازها على طبقات الطباشير الكريتاسي في الجنوب ووجودها تحت طبقات الحجر الجيري الميوسينى في الشمال، وفى الغالب يزداد سمكها بالاتجاه نحو الشمال، وقد تظهر أسفلها تكوينات من راقات طين إسنا التي تعود إلى مرحلة ترسيب انتقالية تعرف بالباليوسين.
أما عن التوزيع الجغرافي لتكوينات عصر الأيوسين فإن مساحتها التي تبلغ نحو مائتي ألف كيلومتر مربع تتوزع في مناطق مختلفة من الصحارى المصرية وتمثل 20% تقريباً من جملة مساحة مصر.
بالنظر نجدها تتمثل في شبة جزيرة سيناء في
التكوينات الجيولوجية بشبة جزيرة سيناء
مساحات واسعة من هضبة العجمة، يصل سمكها عند الحافة الجنوبية لهذه الهضبة 240 متراً، وتعد صخور الإيوسين الأسفل أكثر أنواع الصخور الإيوسينية انتشاراً، وذلك في هضبتي العجمة والتيه، وتظهر كذلك في مناطق القباب الشمالية وفى منطقة أبو زنيمة غربا سيناء وغيرها من المناطق الأخرى بشبه الجزيرة.
أما في الصحراء الشرقية فتظهر في هضبة المعازة بين وادى قنا في الشرق ووادي النيل غرباً وفيما بين ثنية قنا جنوباً ووادي الطميلات في الشمال. وفى الصحراء الغربية تمتد صخور الحجر الجيري الإيوسينى على مساحة واسعة من خط عرض 29ْ شمالاً مع توغل جنوبي يصل إلى حدودنا مع السودان في الجزء الواقع بين وادى النيل شرقاً ومنخفض الواحات الخارجة في الغرب (شكل رقم3) وتمتد في الوسط باتجاه الغرب حتى خط طول 25ْ شرقاً في الغرب.
وتطل صخور الحجر الجيري الإيوسينى على جانبا وادى النيل – في قطاعه الممتد من ثنية قنا حتى القاهرة – بحافات مرتفعة تحدد الوادي من الجانبين، تقطعها بعض الأودية الصحراوية المتجهة نحو النيل خاصة بالصحراء الشرقية.
وتبدو كذلك كحوائط تحيط بالمنخفضات الصحراوية وتنحدر نحو قيعانها بانحدارات شديدة فئ أغلب الحالات كما سيتضح ذلك تفصيلاً فيما بعد.
ويتضح أن البحر الإيوسينى العميق كان يتوغل باتجاه الجنوب لمسافات بعيدة وذلك حتى قرب خط عرض 23ْ شمالاً على الأقل.
وتعد صخور الحجر الجيري الإيوسينى مصدراً رئيسياً لمواد البناء من حجر جيري ورخام والباستر تنتشر محاجرها في مناطق مختلفة في السباعية والمقطم وبني سويف وطره وغيرها.
2- تكوينات الأوليجوسين في مصر:
تظهر أساساً في مصر بالصحراء الغربية وذلك في جزئها الشمالي والأوسط كما توجد في بقاع متقطعة على طول الطريق الصحراوي ما بين القاهرة والسويس.
وتشغل تكوينات الأوليجوسين بأنواعها المختلفة مساحة محدودة من أرض مصر لا تزيد على عشرين ألف كيلومتر مربع، وقد كانت مصر في هذا العصر ذات مناخ يختلف تماماً عن مناخها الحالي وذلك بحكم موقعها الفلكي في الأوليجوسين الذي كان أقرب إلى خط الاستواء بنحو 15 درجة عن موقعها الحالي. كذلك كان سطحها أعلى منسوباً وبعيداً عن أي غمر بحري وسبب ارتفاعه آنذاك تعرضه لحركات أرضية نشطه.
تنقسم تكوينات الأوليجوسين إلى صخور رسوبية وصخور طفحية بازلتية لكل منها خصائصها ومناطق توزيعها.
بالنسبة للتكوينات الرسوبية. نجدها تظهر فوق السطح في نطاق يمتد من شمال غرب الفيوم حتى واحة " مغرة " عند الطرف الشمالي الشرقي لمنخفض القطارة، وتتكون من صخور رملية مع حجر جيري ومارل ومفتتات حطامية من صوان وحصى وحصباء وغيرها وتتميز باحتوائها على بقايا حفريات لحيوانات فقارية مثل التماسيح والسلحفاة وفرس النهر، يدل وجوده بهذه الصورة على حدوث عمليات ترسيب فى منطقة سهل دلتاوى Deltaic plain للنهر الذي افترض وجوده الألماني بلانكنهورن وأطلق عليه اسم النيل القديم Ur Nil ، وتتبع تطوره خلال عصر الأوليجوسين وما بعدها حين انتقل إلى مصبه قرب منخفض النطرون، ونظرا لعدم وجود مفتتات أو صخور من أصل نارى أو متحول فمعنى هذا أن ذلك النهر المحتمل لم يكن له منابع بجبال البحر الأحمر حيث إن معظم التكوينات مشتقة من صخور الحجر الرملى النوبى ( حمدان، ص 89). ورغم ما وجه من نقد لرأى بلانكنهون فلابد أن يكون وراء ترسيب مثل هذه التكوينات نهر ما أتى بها إلى مرفضه بتلك المنطقة الدلتاوية الواسعة فى نطاق ممتد لنحو مائتى كيلومتر وسمك الرواسب به نحو خمسمائة متر.
أما عن التكوينات البازلتية فتتمثل فى طفوح البازلت بمنطقة جبل قطرانى وفى القواطع والطفوح البازلتية المكشوفة إلى الجنوب الغربى من منخفض الواحات البحرية وفى منطقة النوبة المصرية، وفى مناطق متفرقة من هضبة الجلف الكبير، وتتميز هذه التكوينات بتشابهها فى جوانبها البتروجرافية والطباقية فجميعاً تنتمى لحركات تكتونية تعرضت لها تلك المواضع من الأراضى المصرية.
وقد ارتبط بالخروج اللافى اندفاع المياه الحارة التى تحتوى على محاليل سليكية علت على تحجر جذوع الأشجار التى ازدهر نموها فى تلك الفترة التى تميزت بالمناخ الحار المطير. وصخور عصر الأوليجوسين فى منطقة جبل قطرانى عبارة عن رمال وطفلة مترسبة بواسطة المياه الجارية تكثر بها الأشجار المتحفرة وحفريات لفقاريات عديدة عاشت فى ذلك العصر. ويبلغ سمك الرواسب الأوليجوسينية 250 متراً بحبل قطرانى الذى تغطية فرشات بازلتية بسمك يصل إلى 35 متراً يمتد باتجاه الشمال الشرقى حتى جبل الشيب وغرب هضبة الهرم.
3- تكوينات عصر الميوسين:
تغطى نحو 113 ألف كيلومتر مربع بنسبة 11% من جملة مساحة الأراضى المصرية.
تمتد الصخور الميوسينية فى شكل طبقات من الحجر الجيرى الصلب، وذلك فى هضبة مارمريكا الجيرية التى تبدو فى شكل مثلث قمته شمالى غربى القاهرة وقاعدته ممتدة على طول القطاع الشمالى من خط الحدود بين مصر وليبيا.
يبلغ متوسط سمك الطبقات الجيرية الميوسينية 80 متراً مع زيادة مطردة بالاتجاه نحو الغرب واحتوائها على حفريات لأحياء كنت تعيش فى البحر الميوسينى. وترتكز هذه الطبقات الصلبة على تكوينات طفلية هشه تعرف بطين مغرة يمكن تتبعها بشكل واضح على طول الحد الشمالى لواحة مغرة ، ويبلغ سمكها هنا نحو مائتى متر تعلوها طبقات قليلة السمك من تكوينات الحجر الجيرى الصلب.
وجدير بالذكر أن هذا النسق الجيولوجى قد لعب دوراً هاماً فى حفر منخفض القطارة.
وتظهر تكوينات الميوسين كذلك فى منطقة جبل خشب محتوية هنا على بقايا جذوع أشجار متحجرة، وهذه الرواسب تدل على أصول دلتاوية ربما تكونت كمرفض متقدم نحو الشمال للنهر الأوليجوسينى الأقدام. ومن مناطق وجود الصخور الميوسينية طريق القاهرة السويس حيث تظهر فى مناطق متفرقة، وتوجد كذلك على جوانب خليج السويس وهى هنا عادة ما ترتبط بالنشأة الأخدودية والملامح الطبوغرافية التى ارتبط بها ونتجت عنها. وتتمثل فى تلك الأجزاء فى أربع مجموعات، المجموعة السفلى تليها إلى أعلى مجموعة الجبس، ثم مجموعة المارل والجير التى ترسبت فى مناطق المياه الأسنة، وآخر المجموعات الأربع مجموعة الميوسين الأعلى وهى من صخور رملية مكشوفة.
وتظهر تكوينات الجبس ممتدة على طول الساحل لمئات الكيلومترات فى صورة إرسابات ضخمة من الجبس ترجع فى تكونها إلى ما بين الميوسين الأوسط والبلايوسين، يبلغ سمكها فى منطقة جمسه إلى نحو 600 متر، وتختلط هذه التكوينات بالمتبخرات evaporates والملح الصخرى، ويختلف سمكها من منطقة إلى أخرى على طل الساحل، ويرجع ذلك إلى أن هذه التكوينات ترسبت فى مياه هادئة عميقة ويبدو الجبس أبيض اللون ويظهر فى خط من التلال ذات القمم المستديرة مع ميل لونه للاصفرار، ففى المنطقة القريبة من وادى حمراوين توجد منطقة من تكوينات الجبس يبلغ طولها سبعة كيلومترات ونصف وأعرض أجزاءها 3.5 كيلومتر تبدو فى شكل قمم مرتفعة وسط رواسب الشاطئ تتوجها صخور جبسيه.س ويرجع ارتفاع التلال الجبسية إلى قدرة الجبس على مقاومة عمليات التعرية بدرجة تفوق قدرة الحجر الجيرى على المقاومة. كذلك تظهر تكوينات الجبس فى القطاع من الساحل الممتد ما بين القصير ورأس بناس كتلال مخروطية معزولة.
ويمكن القول أن الجبس يتكون عادة فى البيئات المحمية بعيداً عن المجارى المائية فى مواضع اللاجونات.
أما مجموعة المارل والجير المترسبة فى مواضع المياه الأسنة، فتظهر قرب وادى غدير جنوب القصير بنحو 40 كيلومتر وتبدو فى شكل حافات ترتكز على تكوينات الجبس وهى خالية من الحفريات ( العقاد ودردير، 1966 ). بالنسبة لمجموعة الميوسين الأعلى فهى تشبه المجموعة السابقة يمكن تتبعها السهولة فى أجزاء من الساحل وتتكون من الجر الرملى المحبب عند القاع بسمك 30 متراً تليه إلى أعلى تكوينات من الرمال والحجر الرملى الجيرى تظهر بها حفريات وحصر ودماليك، ومن مناطقها جبل حمرة ووادى عجلى. والمنطقة الساحلية ما بين القصير ووادى عسل وفى وادى شرم القبلى ووادى وزه ووادى وعرة، وكذلك قرب بئر أبو غصن فى الجنوب.
وإذا كان بحر تثس قد طغى فى أوائل وأواسط الميوسين، فإن أواخر الميوسين قد شهدت فيه الأراضى المصرية ارتفاعاً تكتونيا ارتبط بنشاط من التصدع والالتواء خاصة – فى الجوانب الشرقية من مصر مما أدى إلى انحسار الخليج الميوسينى وظهور برزخ السويس وانحسار بحر تثس شمالاً بعد ارتفاع سطح مصر فى نهاية هذا العصر وبدأ النيل الوليد يشكل مجراه بالتعمق والإطالة والتوسيع.
وتكمن أهمية عصر الميوسين فى وجود مكامن البترول فى صخوره بحوض خليج السويس وفى صخور بالصحراء الغربية.
4- تكوينات البلايوسين:
تغطى مساحة محدودة من الأراضى المصرية لا تزيد كثيراً على سبعة آلاف كيلومتر مربع كما تعد آخر مراحل الغمر البحرى فى الزمن الثالث. ورغم أن هذا الغمر لا يعد غمراً غطائياً أو غمراً نطاقياً، إلا أن أهم ما ترتب عنه، تلك الرواسب التى تظهر على جوانب وادى النيل والتى ترسبت نتيجة لارتفاع منسوب بحر تثس البلايوسينى لنحو 180 متراً فوق مستوى البحر الحالى، ومن ثم غمره للخليج النيلى عرض مدينة إسنا، وإن كان كل من ساندفورد وآركل يعتبرانه قد وصل إلى كون أمبو دليلهما على ذلك اكتشافها لكتل بلايوسينية قرب " منيحة " بسهل كوم امبو.
وقد تحول وادى النيل خلال هذا العصر إلى خليج ترسبت على جوانبه ترسبات من الدماليك والحصى والرمال مختلفة بتكوينات بحرية فى الشمال، وقد قدمت الرواسب الحصوية والرملية عن طريق الأودية الصحراوية من الشرق. وقد شق نهر النيل مجراه بعد انحساره البحر أواخر البلايوسين وتشكلت مجموعة من المدرجات التى تظهر الآن على هوامش السهل الفيضى للنيل فى شكل تلال ورفع رسوبية متقطعة.
أما بالنسبة للرواسب البلايوسينية الأخرى فهى عبارة عن تكوينات ذات أصل قارى مثل الرواسب الدلتاوية الرملية بمنخفض النطرون وهى ذات أصل نهرى يدل على ذلك ما بها من بقايا لحيوانات فقارية، وتتكون هذه الرواسب من رمال وصلصال وصخور جيرية متماسكة. ويعتقد الكثيرون أن منخفض وادى النطرون كان مرفضاً لنهر بلايوسينى أتى برواسبه وألقاها فى تلك المنطقة المنخفضة عندما كان البحر فى ذلك العصر يصل إليها وهذا النهر فى الواقع استمرار للنهر الميوسينى السابق له.
ومن الصخور البلايوسينية كذلك رواسب الطوفا بمنخفض القطارة والرواسب الرقيقة التى تغطى أجزاء من سطح هضبة مارمريكا وهضبة السلوم وكذلك الرواسب الحصوية المنتشرة على جانبى الطريق ما بين القاهرة والسويس.
وعلى ساحل البحر الأحمر تتمثل الصخور البلايوسينية فى منطقة السهل الساحلى فى الشواطئ المرتفعة والشعاب المرجانية التى تمتد على طول الساحل فى مناطق معينة فى شكل مدرجات مرتفعة مثل تلك الموجودة جنوب وادى مبارك ووادى شونى، حيث تظهر هنا فى شكل طبقات يتراوح سمكها ما بين 50 – 60 متراً من التكوينات المرجانية والجير بجانب الحصى والدماليك، ويصل ارتفاعها إلى 66 متراً فوق مستوى سطح البحر وذلك فى شكل مدرجات تظهر بها بوضوح أسطح الطبقية. كما تظهر أيضا فى وادى عجلى وغيرها من المواضع.
وما يميز هذه الرواسب احتواءها على حفريات لحيوانات كانت تعيش فى بحر تثس والمحيط الهندى مما يعطى دليلاً على اتصالهما فى ذلك الوقت عبر مضيق باب المندب.
5- تكوينات البلايستوسين والهولوسين :
يعد البلايستوسين ( الزمن الرابع ) رغم كونه أقصر الأزمنة الجيولوجية، الزمن الذى ترك بصماته بوضوح على سطح مصر كغيره من مناطق العالم المختلفة، ويرجع ذلك أساساً إلى حداثته ، حيث لا يزيد طوله على مليون سنة وكذلك لكونه آخر العصور التى مرت أحداثه بأرض مصر، خاصة تلك التى ارتبطت بالتغيرات المناخية والتطورات البيئية التى حدثت خلاله، فهو كما يقول حمدان زمن اللمسات النهائية لسطح الأرض فى تشكيل سطحى غير متعمق، ومن ثم تبرز أهميته القصوى بالنسبة لدارسى الجغرافيا.
وتغطى تكويناته – رغم قصر عمره – مساحة واسعة من أرض مصر تزيد على 165 ألف كيلومتر مربع، وهى تكوينات كما ذكرنا سطحية وقليلة السمك تعود فى نشأتها إلى ظروف مختلفة، ومن أصول متنوعة كما يتضح ذلك ما يلى:
- رواسب بلايستوسينية ذات أصول قارية:
تنقسم بدورها إلى رواسب ذات أصل هوائى وتتمثل فى الرواسب الرملية التى تعد أكثر رواسب هذا الزمن انتشاراً، خاصة بصحراء مصر الغربية، متمثلة فى الغرود الرملية وبحر الرمال العظيم وتلك الرمال المنتشرة فى بطون الأودية أو التى تظهر عند أقدام الحافة الغربية لوادى النيل خاصة فى منطقة سوهاج.
وتوجد رواسب قارية من أصل مائى متمثلة فى الرواسب البحيرية الطينية التى تظهر فى بقاع منتشرة فى صحارى مصر خاصة بالهضبة الجنوبية مثلماً الحال قرب بئر طرفاوى وبئر صحراء، غالباً ما تتكون فى شكل طبقات من الغرين يتراوح سمكها ما بين 10 و 20 متراً. وقد وجدت فيها أدوات حجرية صوانية ترجع إلى العصر الحجرى الحديث Neolithic age.
ومن الرواسب البحيرية كتل رواسب السبخات الداخلية مثل تلك التى توجد فوق قاع وادى النطرون ومنخفض القطارة. وتوجد كذل رواسب قارية ذات أصل نهرى وهى التى تتكون منها المدرجات البلايستوسينية التى تحف بوادى النيل من كلا جانبية فى مناسيب مختلفة ارتبطت فى تكوينها بالعلاقة بين نهر النيل وتذبذب مستوى القاعدة خلال فترات البلايستوسين المختلفة.
أما عن الرواسب البحرية النهرية فتظهر بدورها فى شكل مدرجات حصوية ورملية على جوانب منخفض الفيوم وعلى جانبى فتحة الهوارة. وتمثل خطوطاً لشواطئ بحيرة " مويرس " القديمة المنكمشة حاليا فى بحيرة أو بركة قارون والتى كانت تستمد مياهها من نهر النيل وتظهر رواسب فيضية فى بطون الأودية والمنخفضات تتكون من رواسب خشنه فى أ‘ليها ودقيقة فى أجزائها السفلى، وترجع إلى حدوث نشاط متزايد للجريان المائى السطحى خلال الفترات المطيرة فى البلايستوسين، وتظهر أكثر وضوحاً فى بطون أودية الصحراء الشرقية.
- رواسب بحرية بلايستوسينية:
تتمثل أساساً فى رواسب سبخات ساحلية تتاخم خط الشاطئ البحرى وكذلك فى رواسب التلال الجيرية البويضية بالساحل الشمالى بالصحراء الغربية. وتظهر كذلك على ساحل البحر الأحمر وساحل خليج السويس.
بالنسبة لرواسب السبخات والتلال الجيرية البويضية فى الصحراء الغربية نجد أنها تنتشر فى بقاع واسعة على طول الساحل الشمالى من غرب الإسكندرية حتى السلوم، وتعد التلال الجيرية الساحلية من أهم الملامح المورفولوجية بالساحل الشمالى حيث تمتد فى شكل سلاسل طولية ممتدة فى موازاة خط الشاطئ، تفصلها عن بعضها أحواض طولية منخفضة تظهر فى بطونها سبخات ورواسب طينية مختلفة بالأملاح. أما عن الرواسب الجيرية فهى عبارة عن حبيبات من كربونات الكلسيوم والقليل من السيليكا.
وبالنسبة لرواسب البلايستوسين البحرية على طول ساحل البحر الأحمر فإنها تظهر فى شكل تكوينات شاطئية مرتفعة فى مواضع كثيرة من السهل الساحلى. مثلما الحال على الجانب الشمالى لوادى عمبجة، حيث يظهر تل من الجبس بارتفاع 158 متراً تغطى قمته تكوينات مرجانية بلايستوسينية بسمك ثلاثة أمتار، كما تظهر قرب القصير تلال من الشعاب المرجانية ترتفع عن مستوى سطح البحر بأربعة أمتار.
ومن مناطقها أيضا، قرب مصب وادى حمراوين حيث تظهر تلال مرجانية على بعد كيلومتر واحد من الساحل بارتفاعات تتراوح ما بين 73 – 109 مترا تمتد باتجاه سفاجة شمالاً لتقرب من تكوينات مرجانية بلايستوسينية أخرى قرب وادى البارود. وقد يصل سمك الشعاب المرجانية أكثر من 43 متراً.
أما رواسب الهولوسين فتتمثل فى رواسب الأودية والمدرجات الحصوية والشعاب المرجانية الحديثة التى تظهر فى أماكن عديدة على طول ساحل البحر الأحمر فى طبقات شبه أفقية ترتكز عادة على مصاطب رملية على بعد أقل من كيلومتر من خط الشاطئ الحالى.

تعليقات
إرسال تعليق