يمكن دي اكتر حاجه مؤلمة عاشتها مصر في تاريخها ، ويمكن معظمنا ميسمعش عنها أو يعرف عنها حاجه ودا إن دل بيدل علي إننا أمة اهملنا القراءة والاطلاع !!
المهم هنرجع بالزمن شوية كدا في عهد المستنصر بالله ، ودا كان الخليفة الخامس من خلفاء الدولة الفاطمية في مصر ، والتامن في تاريخها من اول ما بدأت في المغرب البلد في عهد المستنصر كانت في اسوأ فتراتها السياسية والإدارية ولأن المصائب لا تأتي فرادي ، حصل نقص في منسوب مياه النيل علشان يضيف ازمة فوق الازمة ، وأي أزمة ، فكانت أزمة عاتية وشديدة ومميتة !
طيب نقص المياه دا وجفاف النيل استمر كام سنه ؟
بكل بساطة استمر حوالي 7 سنوات جفاف تام في المدة :
(457هـ - 464هـ / 1065م - 1071م)
يبقي دلوقتي فوق ضعف الخلافة وإختلال أحوال المملكة واستيلاء الأمراء على الدولة ، واتصال الفتن بين العربان وقصور النيل ، زاد الغلاء بشكل لا يوصف ، وبعد الغلاء انتشر وباء قاتل وسط المصريين ، لحد ما تعطلت الأرض عن الزراعة ، والبيوت أصبح يسكنها الخوف وخلاص مبقاش في سبل برًا أو بحرا !
تخيل معايا إن من شدة الجوع الناس أكلوا الكلاب والقطط من صعوبة اكل اللحوم الطبيعية زي الابقار والحيوانات او زي الطيور الفراخ او الارانب ..
لدرجة إن كان ثمن الكلب الواحد خمسة دنانير والقط ثلاثة !!
بل إن الموضوع وصل لدرجة إن الرجل يأخذ ابن جاره ويذبحه ويأكله ولا ينكر ذلك عليه أحد من الناس !!
( يعني بقي الموضوع طبيعي) !!
وحتي إن الناس في الشوارع القوي بقي بيقتل الضعيف وياكل لحمه عادي !!
أحد المؤرخين وهو ابن إياس ذكر في كتاباته إن من العجائب التي لا يصدقها عقل فى زمن المجاعة المريبة دي أن كان في جماعة كدا من الناس بيفضلوا فوق أسقف البيوت وكانوا عاملين حاجه زي الخطاطيف والكلاليب علشان يمسكوا بيها الناس اللي ماشية في الشوارع ويسحبوهم فوق الأسطح ، ولما يتمكنوا منه ويكتفوه فوق البيت كانوا بيذبحوه في الحال وياكلوا عضمه كمان !!
- تخيل معايا وزير البلاد في الوقت دا مكنش عنده غير بغل واحد يركبه ويتحرك بيه ، فقال لغلام معاه إنه يحرسه علشان الناس متاكلوش !!
- بس الغلام دا من شدة جوعه كان ضعيف جداً وطلع فجاة مجموعة من اللصوص اللي سرقوا بغل الوزير ، ولما الوزير عرف بموضوع سرقة بغله غضب بشكل شديد ، وقدر إنه يقبض على اللصوص ، وقرر يشنقهم على شجرة ، ولما صحي الصبح لقي عظام اللصوص بس ؛ لأن الناس من شدة جوعهم أكلوا لحم اللصوص !!
- زمان كان في مصر حارة اسمها حارة الطبق ، وهي معروفة زمان بمدينة الفسطاط ، وكان فيها حوالي 20 بيت ، كل بيت كان يساوي حوالي ألف دينار ، البيوت دي كلها اتباعت بطبق خبز ، كل دار برغيف ، ودا كان سبب تسميتها بحارة الطبق
الشدة دي مش كانت بس عالفقير زي ما عقلك الباطن بيصور ليك وانت بتقرأ الكلام دا المؤرخ المقريزي ذكر في كتاباته أن سيدة غنية جدا من نساء القاهرة ألمها صياح أطفالها الصغار وهم بيبكوا من شدة الجوع ، فراحت تدور في صندوق المجوهرات بتاعها وفضلت تقلب فيه وتشوف اللي فيه من مجوهرات ومصوغات وتتحسر لأنها معندهاش ثروة طائلة ولا قادرة تشتري رغيف واحد لولادها ، فقررت تختار عقد غالي جدا جدا من اللؤلؤ قيمته كانت اغلي من ألف دينار ، وطلعت تلف أسواق القاهرة والفسطاط ومتلاقيش حد يشتريه !
المهم إنها أقنعت أحد التجار بشرائه مقابل كيس من الدقيق، واستأجرت بعض الحمالين لنقل الكيس لعند بيتها ، ولكن يا دوب مشي عدد من الخطوات حتى هاجمته جحافل الجياع اللي هجموا على الدقيق ، مكنش قدامها غير إنها تدخل وسط الزحمة وتاخد لنفسها لنفسها حفنة دقيق في أيدها وعجنت الشوية دول وصنعت منها أقراصاً صغيرة جداً وخبزتها وأخفتها فى طيات ثوبها ، وخرجت تجري في الشارع وهي تصيح الجوع الجوع ، الخبز الخبز وألتف حولها الرجال والنساء والأطفال ومشيت معاهم لعند قصر الخليفة المستنصر ، ووقفت على مصطبة وأخرجت قرصاً من الخبز اللي خبزته ولوحت بيه كدا وهي بتقول " أيها الناس ، فلتعلموا أن هذه القرصة كلفتني ألف دينار ، فادعوا معي لمولاي المستنصر الذي أسعد الله الناس بأيامه ، وأعاد عليهم بركات حسن نظره ، حتى تقومت عليَّ هذه القرصة بألف دينار " !!
بعد مدة مش بعيدة اتقبض على رجل كان بيقتل النساء والصبيان ويبيع لحومهم ويدفن رءوسهم وأطرافهم واتقتل الراجل دا ، من شدة الغلاء والوباء كان اوقات أهل البيت الواحد بيموتوا في ليلة واحدة ، كان اوقات يموت كل يوم على الأقل ألف نفس ، لا والعدد زاد ووصل لـ عشرة آلاف وفي يوم مات حوالي 18 ألف مرة واحدة من الجوع والوباء ، كان وقتها المستنصر يبتحمل نفقات تكفين عشرين ألفًا على حسابه ، حتى فنى حوالي اكتر من ثلث أهل مصر ، ويقال إنه مات مليون و600 ألف شخص في الفترة دي ، حتي إن الجند نزلوا القري لزراعة الأرض بعد أن هلك الفلاحون ، الشدة المستنصرة مرة بأكتر من مرحلة طول سنوات الجفاف ، وزادت اكتر بعد بيع المجوهرات والكنوز مقابل أنهم يشتروا قمح وياكلوا الكلاب والقطط وكمان أكل الموتى من القبور ووصلت لدرجة أكل لحوم الاحياء من الاطفال والغلمان والضعفاء من القوم !
- طيب هل المستنصر اتأثر ولا كان حاكم بقي وعايش في ترف ؟
طبعاً تأثر ، الأزمة وصلت لعند المستنصر نفسه ، الحظيرة بتاعته نفسها مبقاش فيها اي دواب او اي حيوانات ، حتي إنه باع الرخام اللي كان علي قبور آبائه وأجداده علشان يشتري اي اكل وأي طعام لأهله ولنفسه ، ووصل الحال بيه أنه كان مديناً بحياته ، لبنة الفقهاء اللي كانت بتأكله تصدقاً منها برغيفين يومياً !!
مات ثلث سكان مصر ، واتباعت بيوت ثمينة لشراء رغيف الخبز ، وطحنت المجاعة الشعب بقوة محدش يتخيلها ، الخليفة بنفسه مقدرش يتحمل !
طيب دلوقتي الخليفة دا محدش ساعده ، أو مطلبش مساعدة من حد ؟؟
علشان نكون متفقين إن معظم البلاد المحيطة بمصر كان فيها وباء اصلا فالوضع كان صعب علي الكل بس مصر اكتر حاجه ، وعلي الرغم من كل دا إلا إن كان في ناس بتتبرع لمصر ..
الخليفة طلب مساعدة من ولاية عكا ومن حاكمها الفاطمي بدر الجمالي واللي متأخرش عن تقديم المساعدة ليه ولمصر ، بس بعد ايه بقي ، بعد لما فقد بلاد كتيرة جدا ، ومعظمها بلاد تحت ملكه ، وعدد المدن انخفض بشكل كبير بعد لما حصلت حركات انفصالية كتيرة جدا !
المهم ان الشدة المستنصرية انتهت على ايد الجمالي ، اللي اكيد حط شروط أنه يجيب رجالته معاه ، ويفرض سلطته ويكون ليه الكلمة الأولى والأخيرة ، وقال إنه هيرجع الأمور لمجاريها تاني بقوة السلاح
مكنش قدام المستنصر غير إنه يقبل بكدا أو البلد كلها تروح منه ، المهم إنه وافق وعين الجمالي وزير للدولة ، واللي بدأ في إصلاح نظام الري، والقنوات واهتم بالزراعة ، وحارب الجنود المتناحرين والمدن اللي انفصلت ، وطردهم من مصر ، وقرر إن كل المحصول في أول 3 سنين للفلاحين ، والسنة الرابعة يكون ليه هو ، وكان معروف عن الجمالي أنه كان عادل وذكي ، وكان دايماً بينقذ الدولة الفاطمية من كل الأزمات العصيبة والصعبة ، وكان ليه فضل إنه أفاق مصر من كبوتها ، ومنّ الله على مصر بعد سبع سنوات عجاف ، وفاض نهر النيل ، واتزاحت الغمة بفضل الله أولا وأخيرا
الشعب كله حب الجمالي والناس سمت الأحياء والقري باسمه حتي أنهم سموا أشهر المناطق في مصر علي اسمه ، وهو حي الجمالية ، بل إن في ناس سمت أولادهم بالاسم دا ..
سطوة بدر الجمالي كانت قوية جدا وعهد بالوزارة لابنه الأفضل الذي كان يشاركه في كل أعمال الوزارة ولما مات بدر في جمادى الأولى (487هـ / 1094م)جه بعده ابنه في الوزارة ، وثبته المستنصر في منصبه ، بعدها بكام شهر مات المستنصر في (18 من ذي الحجة سنة 487هـ / 29 ديسمبر 1094م) وكان عمره سبعة وستين سنة ، وقدرت مدة حكمه بحوالي 60 سنة كاملة ، علشان بعدها تبدأ الدولة الفاطمية الشيعية في الانهيار ، الدولة اللي امتدت من اقصي الشرق لاقصي الغرب سقطت بسبب خناقة بين وزراء الدولة واشهرهم الخناقة اللي كانت بين الوزير شاور والوزير ضرغام واللي كانت سبب في قدوم صلاح الدين الايوبي لمصر علشان يقدر ينهي حكمهم ويرجع مصر للمذهب السني مرة أخري ويكون شوكة وحجر عثرة قدام الصليبيين واللي قدر يعلم عليهم واحد ورا التاني ..
تمت الصياغة بواسطة/ احمد عاطف
المصادر
- ( ابن خلكان ابن اياس ، المقريزى ، ابن الأثير ، سبط ابن الجوزي )
- ( كتاب إتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة )
- ( كتاب ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة )
- ( كتاب ابن إياس :إغاثة الأمة بكشف الغمة )

تعليقات
إرسال تعليق